الأحد، 21 مارس 2010

الحصان الأعمى ..

كنت قد ركبت سيارة صديقتي تشيلكوت وقد دعتني للجلوس بجانبها وهي تقود السيارة. وألبستني حزام الأمان...ولكنني لم أكن أحس بالأمان وقتها حين ركبت السيارة فقد كانت السيارة قذرة جداً بكل ما تحمله الكلمة من قذارة وعجبت منها وكتمت مصدر امتعاضي وعجبي منها وتجاذبت معها أطراف الحديث حينما يستدعي الموقف ذلك وكانت تشيلكوت تتحدث بأريحية وثقة واعتدال وكلماتها تحمل الحب والضيافة حسب ما تعودت عليه وحسب ما تعرفه وتؤمن به من انطباع وطبع ولم تكن تتطبع ولا تتصنع فهي انجليزية ولا تعرف التطبع!! ووصلنا لمكان بعيييد جداً عن المناطق السكنية وكان المكان واسعاً تحمله الخضرة والخضرة تحمله!!وفيه يمكنك أن ترى الأشجار الطويلة الشاهقة التي تعانق السماء الزرقاء الجميلة التي تلبدها الغيوم البيضاء والرمادية والسوداء البعيدة وتختفي هذه السماء كلما أوغلت في الذهاب إلى الداخل حيث تتشابك أوراق هذه الأشجار وتتعالى أغصانها المتشابكة وترى زحمة الأوراق الخضراء عليها ومن ثم ترى بجانبها حوائط رمادية أرجوانية اللون رطبة الأجواء وتتواصل مع دخولك نسمات هواء الشتاء البارد الجميل و أجواء برد منعشة كلما سرت داخل هذه الأجواء كلما تخللتك نسمات برد جميلة ورائعة تتخلل من فتحات تلك الحوائط المبنية منذ عصور العهد الفيكتوري ولربما تلاحظ وجود نوع من الآجر القديم المتلاصق وقد اصطفت كتل صغيرة منه شبه مربعة على ارتفاع الحوائط وقد خالط لونه اخضرار نمو تلك الخضرة الناعمة الدقيقة التي تخللت ونامت وسط حباته! جمال الطبيعة يصنعه الله فنطقت به حوائط!!!....سبحان الله ...وللحظات كان الجو هادئاً ساااكناً سكون البرد المنعش.. إلا أنه في زمن لحظة!! وبلحظة جالت في سكناته و علت.. أصوات جلبة ونباح كلاب وقد تجمعت..و من حولنا تحلقت..

مرحبة بنا وأنا مرعوبة منها وخائفة ليس منها بل على ملابسي أن تلتصق بها! فينقض وضوئي وأنجَس واضطر لأن اغسل نفسي سبع مرات: مرة بالتراب وسبعة بالماء!!... كنت حريصة وقتها ألا أنجس بأي منها وبأي من لعابها وشعرها بل حتى من نباحها ولله الحمد!! مراراً وتكراراً وقد خفت ولم أنبت ببنت شفة ولكنني قرأت آية الكرسي في داخلي ومن خارجي! صديقتي تشيلكوت تغمرها الجراء من كل حدب وصوب والكلاب تلعقها وهي تتعانق مع الجراء!! ويا لسعادتها وهي تحمل الجراء والكلاب تلهث من حولها وتلتصق شفاهها بأجزاء الكلاب!! وتوزع قبلاتها للكلاب هنا و من هناك مملوءة باللعاب!! منها ومن الكلاب هنا نادي القبلات الكلبية!! الحمد لله.. مع إني شخصياً لا أحب التقبيل ولا القبلات انتظرت ساعة الفرج و”صبرت ونلت ياختي “!!!الحمد لله لا أحد قبلني من الكلاب في كل هذه اللحظة!! , هههه , و لا أريد!!!....وصارت تشيلكوت طابع بريد تهيأ للارسال على ظهر مظروف للبريد!! من كثرة ما لاصقها من لعاب كلبي وقلبي في آن واحد!! ...تشيلكوت كانت وقتها في قمة الفرح والسعادة وأنا في قمة الرعب والتعاسة والقرف! تشيلكوت تشيلكوت صرت أناديها بصوت خافت على استحياء!! ويالله متى اتخلص من هذه المجموعة من الكلاب وقد أشرت وقتها لصاحبة الكلاب التي اتجهت نحونا مرحبة يا أهلا وسهلا امح امح (طبعا بالمصري لا يوجد بالانجليزي امح امح فيه كيس كيس kiss kiss :) بالانجليزي! والحمد لله فقد أتت مسرعة وقد أبعدت الكلاب عن دائرتي والتقطت كلابها بحنية وأمرتها بالذهاب بعيداً ولم تصدق الكلاب الوضع وظلت تحدق في تريد أن تحييني بتحية أحسن منها (: ولكنني ابتسمت ابتسامة صفراء منافقة لها!! وابتسمت الكلاب لي وقتها و..وهيا صاحت بها صاحبتها وانطلقت الكلاب مهرولة غير آبهة بي وأنا ارتحت وقتها وعرفت أنني لن أكون في مأمن لأن ليس فقط هذه الكلاب موجودة بل غيرها مجموعات تأتي وعلى دفعات ومن شتى بقاع المكان والأرض ..والغريب أنه كان من ضمن مجموعة الكلاب كلباً بثلاثة أرجل كان قد وقف بعيداُ وكنت أجزم أنه يعرفني و يعرف لم أردت الابتعاد عنهم! بل أجزم أنه يعرف السبب وقد فضل النظر إلي من بعيد محدقاً! ثم ابتعد بعيداً.. العشب والخضرة الجميلة كانتا تملأان المكان وتحيط بنا...و كنت أتمنى الجلوس على العشب مرة لكن أمنيتي لم تتحقق بالمرة ! وإلى الآن أتمنى هذه الجلسة ولن تتحقق لأنني تركت المكان وبلا عودة خاصة حينما رأيت تلك الكلاب تمرح وتلعب عليها ومع أصحابها !!! وسرت بعيداً مع صديقتي تشيلكوت ووقفنا جانباً ...آه انها حوائط خشبية وصهيل خيول!!! آه انها اسطبلات خيل رااائعة بكل ما تحمله الكلمة من روعة وبقمة من الترتيب والنظام وفتيان وفتيات يقمن على وضع الطعام بترتيب للخيل وحظائر خيل من جميع الألوان والأشكال ...وذهبت تشيلكوت لحصانها التي اشترته منذ ما يقارب السنة ووضعته هنا في هذا الاسطبل لأنها لم تكن تملك مكاناً تضعه فيه ..كنت قد سرت معها ناحية الحصان وقد كان ينظر على استحياء ويشيح بوجهه هنا وهناك ...للأسف كان الحصان أعمى...وقد أصبح مسناً ولكنه لازال صديقاً لتشيلكوت...تشيلكوت تحبه وتعانقه وأنا أحببته ولم أعانقه لأني حريصة على عدم الاتساخ بأي شيء !!
بعد نهاية الرحلة عدت للسيارة القذرة وكل هذا وأنا لم أعلق على قذارة السيارة ...كانت تشيلكوت ترمقني بنظرات استغراب وتقول لي الأجدر بك أن تقومي بالاستحمام اليوم وأنا أعرف أن السيارة قذرة ..هذا بسبب كلبي المدلل الذي يسكن السيارة لفترات طويلة معي وفي أوقات رحلاتي معه!!! اتسعت عيناي وقتها!! و عرفت أن حرصي على ألا أتنجس من الكلاب في المكان السابق لم ينجح وها أنذا أتنجس!! بل كنت متنجسة!! من الأول وأنا أجلس في مكان كلب تشيلكوت القذر وتنجست بكل ما تحمله الكلمة من نجاسة من القمة إلى القمة!!! ههه و انقلب الوضع عندي رأساً على عقب. وتساءلت أين أجد وقتها التراب لأقول بس يا بحر بس (: وأين التراب في أرض كلها خضرة ووحل!!! وكيف أغتسل سبع مرات في جو بارد وممطر وكيف وكيف وصرت أبحث عن فتوى لكي لا استحم !! وفي الحقيقة ولا أخفيكم سراً أنه ومن صغري بل من طبعي ههه أنني لا أحب الاستحمام (: فألغيت فكرة الاستحمام وقتها إلى وقت آخر (بعد رجعتي للكويت هههه)!! ولكن لا يهم و لا ضرر فقد مررت بتجربة وساعات ممتعة (: وحالتي كمن يخاف الهر فيقذف عليه الهر فجأة فيزول خوفه !! من الهر (كما هو في علم النفس عنصر المفاجأة لحل بعض المخاوف!!).

ثم حدثتني تشيلكوت عن كلبها الفارس الهمام الذي لا يشق له غبار ...فهو يوقظها في الصباح الباكر لتقوم لعملها ولتحضر فطورها في أوقات العطلة وهو من يحضر لها نعال الحمام (وأنتم بكرامة) ممسكاً نعلاً وراء نعل وعلى فمه أوسع ابتسامة (ابتسامة مشرقة) لتلبسها وقت ذهابها للحمام!

وحدثتني تشيلكوت في أوقات .. أنها تستقبل نافذة الصالة في منزلها أيام نهايات الأسبوع والعطل وتجلس أمام كلبها الفارس الهمام! وتتظاهر معه أنها تجلس مع شخص وتتحدث في كثير من الأمور وتتجاذب أطراف الحديث معه وخاصة إذا جن الليل وهدأ ... فيكون كلبها مقابلاً لها في الأريكة وتتحدث معه في كثير من الأمور وتتناقش بحدة إذا تطلب الأمر مع كلبها وكأن البيت فيه أكثر من شخص !! ويعارضها!! وكلبها يهز رأسه وذيله كلي آذان صاغية ...كلما سنحت له الفرصة بذلك!! عندها بكيت في داخلي لـها ولأجلها!! ولأجلي لأنها وحيدة وتعاني الوحدة والخوف فتشغل وقتها في العمل وفي منزلها مع فارسها الهمام!! وتشغل فراغها بزيارة ذلك الحصان الأعمى!!! ولربما هو أعمى لكنه يرى الحقيقة في بصيرته وقلبه ويقول تشيلكوت كم أنت رائعة وأصيلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق