السبت، 27 مارس 2010

شح رجل في مرآة !!!

بعد طول غياب ...رأيتها هناك ...
وقد وقفت قبالة المرآة واستمعت إلى حديثها ...تخاطب المرآة ...
وهو ما جعلني ابتعد عنها وخشيت أنها قد رأتني
وراءها في المرآة فلقد رأتني!!
و سارعت الخطى تاركة بقايا صورة وراءها في مرآتها...
واحتفظت بحديثها الذي لم استكمل الاستماع له! ...
ولم أعرف نهايته بسبب خوف شديد في داخلي منعني
من استكمال الاستماع لحديثها!!
لقد هربت منها! و من صورة في مرآة وتركت بقايا صورة عندها!!
ولكنني حين هروبي منها!! وجدتها أمامي !! وقبالتي !!
ولم أكن وراءها!! وأشارت علي بأن تستكمل الحديث وأن استكمل
الاستماع وأن أعرف نهايته فالخوف الشديد هو ما يمنع النفس من
أشياء كثيرة وهو ما سيطر على سلوكيات كثيرة لم يكن يمنعها شيء
سوى خوف شديد لا مبرر له ولكنه استحكم السيطرة وقد سيطر عليها!!
فأشارت أن أترك خوفاً شديداً لا مبرر له سوى التحكم بحياتي!!

واسترسلت الحديث أمام المرآة وأنا عندها وقالت الآتي:

"مررت طيلة الإثنا عشر شهراً الفائتة وقرابة الشهرين علاوة على ذلك!!
بأكثر من مئتي رجل!! ولم أجد فيهم إلا الشح والبخل حتى في الكلمة الطيبة ...
وأنا إذ التقيت بهم وأحسنت الظن بهم ولكنهم ليسوا كما ظننت بهم ...
وإني لأجد إلا الخيبة في رجائهم والتأمل منهم شيئاً ...
وإني قد قرأت في صحف وكتب الأولين وسيرهم أن الكريم كريم
لا يُغَيَرُ من طبعه ولا يُغَيَِرُه من حوله!
ولا يتغير بسبب الظروف التي من حوله فهو يصنع المجد بكرمه حتى
وإن كان فقيراً معدما فهو الكريم ابن الكريم في خلقه وأخلاقه وخلقه!
وتراه و قد أنجب الكرام من بعده وتناولت سيرته كل كرم و قد صار
عنواناً له و من موروثه وإني لأجد في سير الكرام كل كريم وكل
كرم أصيل ينبع من كرامة النفس وعزتها وإباء الضيم له
ولمن استرجاه أو طلبه أو تأمله بكرمه وجوده ومساعدته...
فتجد أن الكريم يحسن إكرام من قدم عليه ويسعى لمساعدته بكل
وسيلة في مقدوره وتراه يأبي على من طلبه الضيم والرجوع صِفر
اليدين مما استرجاه ومن رجائه ...
وتراه قد أحسن الإكرام ممن أحسن الظن به فيرفعه تكريماً له لإحسان الظن به
وإتيانه وتراه يتورع بل يهاب ويخشى أن يخيَب أمل طالبه ومن استرجاه...
وتراه يلغي كل أمر فداءً لأمر وطلب من توجه إليه وأحسن الظن به...
وتراه يتحرَج أن يرى ضيفه ومن رجاه أن يفلس من رجائه ومطلوبه ...
وتراه يتهيأ لمنع كل ما من شأنه أن يخيَب رجاء من قصده ...
وراعه أن يرى أي شيء يشين حصول طالبه لمطلوبه
ورجاءه فيُعمل فكره وجهده في إتيان مطلوبه بكل ما أوتي
من خير ومعين برجاء وتسديد لحصوله على مطلوبه...
وما عرفت أنني حينما قرأت الكتب أن التقي برجل واحد ملك مثل صفات
من قرأت عنهم في إتيان الطالب لمطلوبه بكرمه وعدم تخييب ظنه به ...
ويا أسفاه فلقد تعددت الوجوه وطفت عليهم أسألهم مطلوبي وطلبي ولكنهم
كثر ولكن لم أجد منهم أي كرم... وتعددت الوجوه ولكنني
وجدت الشح يجمعهم والبخل يصيغ نفوسهم النفس تلو النفس...
و تعددت الوجوه لعملة واحدة جمعتهم وهي الشح فيما عندهم
والحرص والبخل حتى في كلمة طيبة ونفس راضية مطمئنة!
وعرفت أنني لم أجد الكريم منهم وربما لن أجده ويا أسفاه بل حسرتاه
فلقد طفت عليهم جميعاً بحرج وظن كبير منهم !
و بهم أن يساعدوني ويا حسرتاه اختنقت العبرات في نفسي
واختنقت النفس من شحهم وتعرضت لنظراتهم ولسؤالهم والبؤس
في نظراتي لكنهم لم يكرموا حتى إحساني الظن بهم..
وساروا وخلفوني وراءهم ...كنت أطوف حولهم أترجى!!
ويا لخيبة الرجاء ويا لذل الرجاء يقتل عزة نفسي بما لم يكرموا رجائي
ويا لحرقة وغصة الألم التي تعتصر رجائي بهم فقد سمعوا لي ولم يعوا ولم
يفهموا طلبي ولربما فهموا ووعوا لكنهم بسبب شح أنفسهم شحوا المساعدة
وقتلوا الرجاء عندهم... وضاع الإباء وأولموا لي الضيم ببخلهم وشحهم ...
وعرفت أنني لن أعود أطلبهم وقد اجتمعوا على الشح والبخل في كل أحوالهم
ويا لأسفي وخيبة ظني بهم ...وأين أجد الكريم الذي؟! لا يعوزني ولا يظلمني
ويتهيَب بل يتحوَب أن أخفق في رجائي له وألا أفقد الرجاء أو حتى
أتعرض لرجائه فهو الأريب العاقل الألمعيَ الذكي! الذي يكرمني
حتى قبل التعرض لرجائه أو حتى التفكير به...
ويا لأسف زمن أعيش به كل من طفت عليه من رجل!!
عرفت أن الشح والبخل قد شاب عليه وثقل.
ويا الله كم عرفت أن الكثير من الصفات الكريمة في الخلق والأخلاق
قد ذهبت واختفت ولم تبق وللأسف إلا في الكتب! وجمعت الكتب من
حولي خير جليس وخير عزلة. أعتزل منها كل شح الأنفس وبخلها ....
ويا الله كم كنا نحسن الظن بالكريم فيكرمنا ولكن لم يبق كريم سواك
يا الله نحسن الظن به فيكرمنا ويعيد لنا عزة النفس التي طفنا بها
ليكرمنا بها رجل!! ولكن وللأسف رحل ...ولم يبق ذاك الرجل بكرمه
المعهود والمكتوب الذي سطرته الكتب في الأزمان السابقة وعهدناه
في أيام النقاء والكرم الأخلاقي الشريف في ذاكرة تاريخ مشرق.
وإني عدت لنفسي الأبية ومنعتها الرجاء إلا من أكرم الأكرمين
الله رب العالمين
هو الذي يحسن إليَ ويكرمني لأني أحسنت الظن به وهو الذي
يرفعني لأني توجهت إليه أرجوه وهو الذي أكرمني وهو الذي
يعرف أنني عرفت أنني أخطأت في التجائي لغيره طلباً في كرمه ...
وهو الذي يعطيني برجائه وهو الذي يكرمني أيما كرم ليس عند غيره
ولا عند رجل أصيب بشحه وبخله فأقعده لا هو أكرمني
ولا هو عني رحل!! البخيل بمنه والبخيل ببخله وشحه المتصل.
وأنا إذ عرفت قدري فلن أعوز غير كفيَ ويديَ أرفعهما إلى
السماء داعية أكرم الأكرمين الذي لا يعوزه شيء ولا ينقصه شيء
والذي يتحرَج بل يستحي أن يرد يديَ صِفرا
وهو الذي أنا أحسنت الظن به وهو القائل جل جلاله:

"أنا عند ظن عبدي بي ، فليظُن بي ما شاء"

ولن أعيد ما شاء الله أن أحسن الظن برجل أو انسان طالما
عرفت أن الإنسان شحوح مناع للخير جزوع لنقصٍ..
بخيل شحيح حتى على نفسه بالخير وعمله.
همه الدنيا تسيطر عليه فيبخل ويشح عن
علي مساعدتي وحتى رجائي واحساني
الظن به فيخيَب ظني به وأسعى لمن هو أكرم
منه الكريم الذي حسن الظن به ورجائه لا يخيب".

إلى هنا رأيتها تختفي مبتسمة! وقد تفطرت المرآة متكسرة!
و عرفت أن حتى شح الرجل في مرآة !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق